كفالة الأرامل والمطلقات: الجانب القانوني والحقوقي في ضوء الشريعة الإسلامية والأنظمة المعاصرة

كفالة الأرامل والمطلقات: الجانب القانوني والحقوقي في ضوء الشريعة الإسلامية والأنظمة المعاصرة


في مجتمعاتنا الإسلامية، تحتل كفالة الأرامل والمطلقات مكانة خاصة ليس فقط من الناحية الأخلاقية والاجتماعية، بل من الجانب القانوني والحقوقي أيضاً، حيث تضمن الشريعة الإسلامية حقوقاً مالية ومعنوية لهذه الفئة، وتدعمها الأنظمة المعاصرة في الدول العربية بتشريعات تحمي كرامتهن وتضمن استقرارهن. إن فهم هذه الحقوق يساعد في توجيه جهود الكفالة بشكل أكثر فعالية، ويمنع الظلم أو الحرمان الذي قد يتعرضن له. في هذا المقال، سنستعرض الحقوق القانونية للأرامل والمطلقات في الإسلام، ثم في الأنظمة الحديثة، مع التركيز على كيفية دعم الكفالة لهذه الحقوق وأمثلة من دول عربية.


تبدأ الحقوق في الشريعة الإسلامية من النصوص القرآنية والسنة النبوية التي تحمي المرأة بعد الترمل أو الطلاق. بالنسبة للأرملة، حدد الله تعالى عدة أربعة أشهر وعشراً، مع النفقة والسكن خلالها، كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ۖ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (البقرة: 234). كما ترث الأرملة من زوجها نصيباً مفروضاً، يصل إلى الربع إذا لم يكن للزوج ولد، أو الثمن إذا كان له ولد. أما المطلقة، ف لها نفقة العدة، ومتعة حسب الطاقة، كما في قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} (البقرة: 241)، بالإضافة إلى نفقة الأولاد إن كانوا في حضانتها.


هذه الحقوق الشرعية تجعل الكفالة امتداداً طبيعياً لها، خاصة عندما يعجز الورثة أو الطليق عن الوفاء بها بسبب الفقر أو النزاعات. الكفالة هنا تكمل النظام الشرعي، بتوفير دعم إضافي يشمل السكن، التعليم، والعلاج، مستلهمة من الحث النبوي على السعي على الأرملة والمسكين.


في الأنظمة المعاصرة، تطورت التشريعات في الدول العربية لتعزيز هذه الحقوق. في المملكة العربية السعودية، ينظم نظام الأحوال الشخصية الجديد (2022) حقوق المطلقة في النفقة والحضانة والسكن، مع إلزام الطليق بدفع نفقة الأولاد، وتوفير صندوق نفقة حكومي للحالات التي يتخلف فيها الأب. كما تقدم وزارة العدل استشارات قانونية مجانية للأرامل والمطلقات، وتدعم جمعيات مثل "دعم" و"رفاه" في تقديم مساعدات قانونية لاستيفاء الحقوق. منصة "إحسان" تساهم في تغطية النفقات القانونية أو الديون المتراكمة لهن.


في مصر، يخصص قانون الأحوال الشخصية صندوقاً للنفقة، ويمنح المطلقة حق الحضانة حتى سن معينة مع نفقة، بالإضافة إلى معاش للأرملة من التأمينات الاجتماعية. أما في الإمارات، فتقدم محاكم الأسرة جلسات مصالحة ودعم قانوني سريع، مع برامج حكومية لتمكين المطلقات اقتصادياً. في الأردن والمغرب، هناك قوانين حديثة تحمي من العنف الأسري وتضمن حقوق الإرث والمتعة، مع جمعيات تقدم دعماً قانونياً مجانياً.


تبرز أهمية الكفالة في سد الثغرات القانونية، مثل تأخر تنفيذ الأحكام أو نقص الوعي بحقوق المرأة في المناطق الريفية. جمعيات مثل "إسعاد" في السعودية تقدم استشارات قانونية متخصصة، تساعد في رفع دعاوى النفقة أو الإرث، مما يضمن استيفاء الحق الشرعي قبل الدعم الخيري. كما أن برامج "بسمة أمل" تشمل تغطية تكاليف المحاكمات أو الوكلاء القانونيين.


من التحديات القانونية تأخر الإجراءات في بعض الدول، أو صعوبة إثبات الدخل للطليق، أو حرمان الأرملة من الإرث بسبب عادات قبلية. هنا تأتي الكفالة كحل فوري، مع الضغط على تحسين التشريعات. في السعودية، ساهمت رؤية 2030 في تسريع الإجراءات القضائية الإلكترونية، مما سهل على الأرامل والمطلقات الحصول على حقوقهن.


كذلك، يساهم الدعم الحقوقي في تمكين المرأة، حيث يشجعها على المطالبة بحقوقها دون خوف، ويمنع الاستغلال. في فلسطين والعراق، رغم الظروف الصعبة، تقدم منظمات محلية دعماً قانونياً لأرامل الحروب، مدعومة بتبرعات دولية.


في الختام، إن الجانب القانوني والحقوقي في كفالة الأرامل والمطلقات هو امتداد لعدالة الإسلام وتكامله مع الأنظمة المعاصرة، يضمن كرامة المرأة واستقرار أسرتها. الكفالة هنا ليست بديلاً عن الحقوق، بل مكملاً لها، يسد الفراغات ويسرع الإغاثة. يجب على المجتمع والمؤسسات تعزيز الوعي بهذه الحقوق، ودعم البرامج القانونية، لنحقق قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}، ولنجعل من رعايتنا لهؤلاء النساء عنواناً لعدلنا ورحمتنا.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *